تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد النمساوي
طالت جائحة كورونا النمسا، وأثرت بقوة على حركة الاقتصاد في البلاد؛ خاصة التبادل التجاري بين النمسا وكل من الصين وإيطاليا، اللتين تعدان من أكبر الشركاء الاقتصاديين للنمسا. وبالرغم من تراجع حركة الاقتصاد بصورة واضحة في ظل التدابير الحكومية الاستثنائية الحالية، إلا أن الخبراء يتوقعون تعافيا سريعا للاقتصاد النمساوي خلال النصف الثاني من العام الجاري.
فالنمسا كغيرها من دول العالم، أعلنت حالة التأهب لمواجهة العواقب الاقتصادية المترتبة على جائحة كورونا؛ خاصة في ظل توقع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي بنسبة 1.2 ٪ . ويعتمد التعافي من هذه الأزمة على التدابير السياسية والاقتصادية التي ستنفذها الحكومة النمساوية في الفترة المقبلة. فإذا تم التغلب على هذه الفترة المتقلبة في غضون 2-3 أشهر ، فقد يظل الاقتصاد قادرًا على تعويض جزءا من الخسارة التي تكبدها خلال الربع الأول من العام. وفي المقابل فإن طول فترة معالجة الأوضاع الاقتصادية قد تؤدي إلى حدوث حالة من الركود في البلاد.
حزمة إصلاح عاجلة
ومن المتبع في حالة الأزمات العادية، أن يتم اللجوء إلى الطريقة التقليدية بمحاولة تحقيق توازن بين العرض (الإنتاج والسلع والخدمات) والطلب عن طريق دعم الطلب، وهي الطريقة التي تشهد استجابة مناسبة في الظروف العادية. غير أنه في ظل أزمة استثنائية، كالتي يشهدها العالم حاليا، فإن الحاجة تستدعي انتهاج طرق واتخاذ تدابير غير تقليدية؛ حتي يستجيب الاقتصاد بكفاءة لمثل هذه الحالة الطارئة، حيث إن دعم الطلب في مثل هذه الظروف الاستثنائية لن يكون خيارا ناجعا. لذلك شرعت الحكومة النمساوية بالفعل في اتخاذ تدابير تستهدف تحقيق السيولة والحفاظ على سوق العمل.
وفيما يتعلق بالسيولة، فقد أعلنت الحكومة الفيدرالية وتلتها الحكومات المحلية عن حزمة دعم عاجلة للاقتصاد تقدر ب4 مليار يورو، وأعلنت الحكومة المحلية في فيينا عن حزمة اقتصادية إضافية بقيمة 35 مليون يورو. من خلال هذه الحزم ستدعم النمسا الشركات بعدة إجراءات؛ منها تمديد آجال استحقاقات القروض. كما ستؤجل الحكومة المطالبة بسداد الضرائب في الوقت الحالي، وتتيح فرصة السداد على أقساط لفترات أطول.
وتتضمن الحزمة الاقتصادية أيضا تقديم إعانات مالية مباشرة لدعم الشركات المتضررة، من أجل تجنب تسريح العمالة القائمة. كما سمحت للموظفين بتقليص ساعات العمل. كذلك تقدم الحكومة دعما مباشرا لقطاع الخدمات، الذي يشكل 60٪ من الاقتصاد، وذلك بغية تعويض الموظفين عن خسائرهم والحفاظ على استقرار سوق العمل.
الصين وإيطاليا أكبر الشركاء الاقتصاديين
تتأثر النمسا بشكل مباشر بالخسائر الناتجة عن العزلة والتدفق المحدود أو المتوقف بالفعل وشحن البضائع من إيطاليا والصين؛ خاصة وأن هذين البلدين يصنفان ضمن أفضل 10 شركاء تجاريين للنمسا ، حيث يصل حجم التبادل التجاري في عام 2019 مع إيطاليا 20.15 مليار يورو ومع الصين 14.28 مليار يورو.
كذلك فإن الشركات النمساوية تتحسب لمواجهة تداعيات جائحة كورونا والتي ستكون أكبر بكثير من تداعيات وباء السارس الذي ظهر قبل 17 عامًا؛ حيث تظهر المقارنة بين حجم التبادل التجاري بين الصين والنمسا في عام 2003 وعام 2018 ازدياد واردات النمسا من الصين بأكثر من أربعة أضعاف خلال هذه الفترة. كما ارتفع حجم الصادرات النمساوية أكثر من ثلاث مرات ونصف عما كانت عليه في عام 2003.
كما شهدت السنوات الخمس الأخيرة تناميا كبيرا للوجود الصيني في السوق النمساوية؛ حتى احتلت الصين المرتبة الثالث من حيث حجم التبادل التجاري مع النمسا. ففي عام 2019 زادت حصة الاستيراد بنسبة 6.2٪ (9.82 مليار يورو)؛ فيما بلغت حصة التصدير زيادة بنسبة 2.9٪ (المرتبة العاشرة) بقيمة 4.46 مليار يورو. ومقارنة بالعام السابق فقد زادت الواردات بنسبة (+ 7.8٪) والصادرات بنسبة (+ 10.0٪). وكان النصيب الأكبر من الواردات لمجموعة الآلات والمركبات بنسبة (49.1٪)، تليها السلع النهائية الأخرى (33.4٪) والسلع المصنعة (11.3٪). كذلك فإن نصف صادرات النمسا إلى الصين في عام 2019 تمثلت في الآلات والمركبات بنسبة (+ 4.0٪ إلى 2.26 مليار يورو) ، تليها السلع المصنعة بقيمة 0.67 مليار يورو. ومن ثم فإن الصين تُعد ثالث أهم سوق للاقتصاد النمساوي، بعد إيطاليا مباشرة وعلى مسافة من ألمانيا، الشريك التجاري الأول للنمسا.
ويلاحظ أيضا تغير هيكل الواردات من الصين، فإلى جانب استيراد النمسا للسلع الاستهلاكية مثل الملابس والأحذية، فإن الجانب الأكبر من الواردات اليوم يتركز في الآلات والمعدات الميكانيكية والكهربائية. إلى جانب المنتجات عالية التقنية، مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والمحولات والمحركات الكهربائية. يضاف إلى ذلك، نقل عدد كبير من الشركات النمساوية والأوروبية مصانعها إلى الصين.
كورونا والنفط
إن اندلاع جائحة كورونا أثر سلبًا أيضا على سوق النفط، حيث انخفض الطلب العالمي على الخام وسط توقعات بانخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي. كما أدى عدم اتفاق أوبك بقيادة السعودية وحلفائها بقيادة روسيا على خفض مشترك للإنتاج لمواجهة تخمة المعروض في السوق. ومن ثم فقد أدى فشل اجتماع أوبك بلس يوم 6 مارس إلى تدهور سعر الخام في السوق العالمي ليصل إلى أقل معدل له منذ عام 2008.
تأثيرات سلبية على قطاع النقل
كما كان لجائحة كورونا أثرها كذلك على قطاع الطيران؛ حيث اضطرت شركات الطيران البارزة التي تتخذ من فيينا مقراً لها، إلى إلغاء وتعليق العديد من الرحلات الجوية إلى عدد الوجهات الأوروبية والعالمية. ويضاف إلى ذلك التدابير التي تتخذها النمسا من تطبيق قيود على دخول العديد من الركاب الذين زاروا الصين وهونج كونج مؤخرًا، وصولا إلى توقعات باللجوء إلى إمكانية إغلاق الأجواء النمساوية وتعليق حركة الطيران بصورة كاملة.
وفي قطاع النقل البري أيضا أغلقت النمسا حدودها مع إيطاليا، وتبادل الدول المجاورة إغلاق حدودها أيضا مع النمسا أو تكثيف الرقابة عليها، وهو ما أدى إلى تراجع تام لحركة النقل الجماعي وسجلت شركات الباصات الداخلية من النمسا إلى أوروبا تراجعا في الحجوزات بنسب تصل إلى 100% لكل من ألمانيا وإيطاليا.
تعاف مرتقب للاقتصاد
على الرغم من التطورات السلبية ، لا يزال هناك بصيص أمل يلوح في الأفق ، حيث بدأت الصين بالفعل إعادة تشغيل الإنتاج والشحن بوتيرة تقارب وضعها الطبيعي. كما يتوقع الخبراء والمحللون الاقتصاديون أن تنتهي هذه المرحلة الطارئة في النمسا والقارة الأوروبية في غضون فترة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، ومن ثم يتحقق استقرار وانتعاش اقتصادي في النصف الثاني من عام 2020.
References
- Statement of Professor Dr. Christoph Badelt, senior economist and director of the Austrian Institute of Economic Research (WIFO), dated 11 March 2020;
- Statistik Austria Press Release dated 10 March 2020 (in German): http://www.statistik.at/web_de/presse/122762.html
- “China: Corona virus- Economy and Foreign Trade”, an article published by the Austrian Federal Economic Chamber on 12 February 2020 (in German): https://www.wko.at/service/aussenwirtschaft/china-coronavirus---wirtschaft-und-aussenhandel.html
- “Corona virus breaks the travel industry”, an article published by the Austrian Federal Economic Chamber on 9 March 2020 (in German): https://news.wko.at/news/steiermark/coronavirus-vollbremsung-reisebranche.html
- “OPEC+ oil-deal failure may lead to $30 oil”, an article published by Market Watch on 6 March 2020: https://www.marketwatch.com/story/opec-oil-deal-failure-may-lead-to-30-oil-prices-2020-03-06
Categories: Reports